أحاديث رمضانية ]
-.-.-=-=-= شَرْحٌ وَتَوضِيح =-=-=-.-.-
== الحديث الأول ==
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غُفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه الشيخان .
[ الحديث مشكولاً ]
(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
█ مفردات الحديث:
- من صام:
# لغة: الصاد والواو والميم أصلٌ يدلُّ على إِمساكٍ وركودٍ في مكان. من ذلك صَوم الصَّائم، هو إمساكُهُ عن مَطعَمه ومَشربه وسائرِ ما مُنِعَهُ. ويكون الإمساك عن الكلام صوماً، قالوا في قوله تعالى: { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم 26]، إنَّه الإمساكُ عن الكلامِ والصَّمتُ. [ معجم مقاييس اللغة - لابن فارس : مادة ( ص و م ) 3/ 323 ]
# شرعاً: قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- : (( فهو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس )) [ الشرح الممتع على زاد المستقنع : 6/ 298 ]
◄تنبيه: قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - بعد تعريف الصوم شرعاً: (( ويجب التفطن لإلحاق كلمة التعبد في التعريف؛ لأن كثيراً من الفقهاء لا يذكرونها بل يقولون: الإمساك عن المفطرات من كذا إلى كذا، وفي الصلاة يقولون هي: أقوال وأفعال معلومة، ولكن ينبغي أن نزيد كلمة التعبد، حتى لا تكون مجرد حركات، أو مجرد إمساك، بل تكون عبادة )) [ الشرح الممتع على زاد المستقنع : 6/ 298 ]
← فائدة: ذكر أبو البقاء الكفومي في كتاب الكليات: "كل صوم في القرآن فهو من العبادة إلا { نذرت للرحمن صوما } أي صمتا " [ كتاب الكليات - لأبي البقاء : 854 ]
- رمضان :
وهو الشهر التاسع من شهور السنة
← فائدة: قال ابن فارس - رحمه الله - : (( وذكر قومٌ أن رمَضانَ اشتقاقُه من شِدّة الحر؛ لأنَّهم لمَّا نقلوا اسمَ الشُّهور عن اللغة القديمة سَمَّوْها بالأزمنة، فوافق رمضانُ أيّامَ رَمَضِ الحرّ )) [ معجم مقاييس اللغة - لأبن فارس: مادة ( ر م ض ) 2/440 - ومثله قول صاحب مختار الصحاح: 267 ] ، وقال ابن منظور: (( وشهر رمضانَ مأْخوذ من رَمِضَ الصائم يَرْمَضُ إِذا حَرّ جوْفُه من شدّة العطش )) [ لسان العرب: مادة (رمض) 7/160 ]
========================
█ معنى الحديث إجمالاً:
قوله: « إيمانًا » ، يريد تصديقًا بفرضه وبالثواب من الله تعالى، على صيامه وقيامه، وقوله: « احتسابًا » ، يريد بذلك يحتسب الثواب على الله، وينوى بصيامه وجه الله، وهذا الحديث دليل بين أن الأعمال الصالحة لا تزكو ولا تتقبل إلا مع الاحتساب وصدق النيات، كما قال عليه « الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى » [ شرح ابن بطال على البخاري: 7/22 ]
وقوله: « غفر له ما تقدم من ذنبه » قول عام يُرجى لمن فعل ما ذكره فى الحديث أن يغفر له جميع الذنوب: صغيرها وكبيرها؛ لأنه لم يستثن ذنبًا دون ذنب. [ شرح ابن بطال على البخاري: 7/176 ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَوْمًا شَرْعِيًّا إنْ لَمْ يَكُنْ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ) [ مجموع الفتاوى: 7/578 ]
وفي حاشية السندي على ابن ماجه قال: ( هذا وأمثاله بيان لفضل هذه العبادات بأنه لو كانت على الإنسان ذنوب يغفر له بهذه العبادات أي إن كانت فلا يرد أن الأسباب المؤدية إلى عموم المغفرة كثيرة فعند اجتماعها أي شيء يبقى للمتأخر منها حتى يغفر به إذ المقصود بيان فضيلة هذه العبادات بأن لها عند الله هذا القدر من الفضل فإن لم يكن على الإنسان ذنب يظهر هذا الفضل في رفع الدرجات كما في حق الأنبياء المعصومين من الذنوب ) [حاشية السندي على ابن ماجه - 3 / 414]
================================
هذا والله تعالى أعلم
== الحديث الثاني ==
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يُقال لها أم سنان : ( عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي ) رواه البخاري و مسلم.
[ الحديث مشكولاً ]
(( عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً-أَوْ حَجَّةً مَعِي ))
█ معنى الحديث إجمالاً:
الحديث واضح في معناه لا يحتاج إلى زيادة إيضاح ولكن هناك مسألة يجب أن أتطرق لها:
في قوله -صلى الله عليه وسلم- : (( تعدل حجة )) في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض ، للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض .
وقال بن العربي: حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها .
وقال بن الجوزى: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد
وقال ابن عبدالبر : " وأما قوله (( فإن عمرة في رمضان كحجة )) يريد والله أعلم في التطوع لكل واحد منهما والثواب عليهما أنه سواء والله يوفي فضله من يشاء والفضائل ما تدرك بقياس وإنما فيها ما جاء في النص " [ الإستذكار: 4 / 106 ]
█ فتاوى مختارة:
من فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين:
ما صحة هذا الحديث (عمرة في رمضان تعدل حجة معي)؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بلفظين أحدهما (عمرة في رمضان تعدل حجة) والثاني (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) وهو دليل على أن العمرة في رمضان لها مزية عن غيره من الشهور فإذا ذهب الإنسان إلى مكة في رمضان وأحرم للعمرة وأداها فإنه يحصل له هذا الثواب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
===============
وقال الشيخ في جوابه على سؤال آخر :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة» وهذا يشمل أول رمضان وآخر رمضان.
أما تخصيص ليلة سبع وعشرين من رمضان بعمرة فهذا من البدع.
======================
هذا والله تعالى أعلم
== الحديث الثالث ==
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها ) ، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله ؟ قال : ( لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى لله بالليل والناس نيام ) . رواه الترمذي .
[ الحديث شكولاً ]
عَنْ عَلِيٍّ -رَضِي الله عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا )) فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (( لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ))
█ معنى الحديث إجمالاً:
في قوله : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا )) : جمع غرفة أي علالي في غاية من اللطافة ونهاية من الصفاء والنظافة.
وفي قوله: (( تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا)) : لكونها شفافة لا تحجب ما وراءها.
وفي قوله: (( لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ )) : لمن له خلق حسن مع الأنام ، قال تعالى: { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } وقال تعالى في جزائهم: { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } ، وقال عزوجل : { وقُولوا للناس حُسناً }، وقال سبحانه : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ } ، قلت: وإطابة الكلام يكون بـ ( الصدق - وعدم اللغو - وعدم رفع الصوت - .. الخ ) ، وقلت أيضا : وفي رواية أخرى (( وألان الكلام )): أي ترفق فيه وكان كلامه في الشفقة والرفق بالأخوان وفيه استعطاف.
وفي قوله: (( وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ )) : ويكون هذا الإطعام إما للعيال بالنفقة ويكون للضيف ويكون للفقراء، وهو الكرم بنوعيه العام والخاص، وقال تعالى : { ويُطعِمون الطعامَ على حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً } ، قال الحافظ ابن رجب : "ويتأكد إطعام الطعام للجائع وللجيران خصوصاً "
وفي قوله : (( وَأَدَامَ الصِّيَامَ )) : يشمل الصيام بأنواعه الفرض في رمضان والقضاء والتطوع إما الإثنين والخميس و عاشوراء ويوم عرفة وغيرها من الأيام الفاضله. تنبيه: في الحديث صفة الدوام ولذلك أدعوا اخوتي للمداومة على الصيام.
وفي قوله : (( وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ )) : فهذا وقت فاضل ، لأن هذا الوقت وقت غفلة ولأنه أيضا بعيدٌ عن الرياء والسمعة ، وهو وقت نزول الرب جل في علاه .
أخيراً: قال الفضيل بن عياض : " إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم وقد كثرت خطيئتك " .
هذا والله تعالى أعلم
== الحديث الرابع ==
عن علقمة والأسود رضي الله عنهما قالا: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئا ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب ، من استطاع الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغضّ للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ) متفق عليه .
[ الحديث مشكولاً ]
(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ))
============================
█معنى الحديث إجمالاً:
- في قوله: (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ )) :
*المعشر: الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر والنساء معشر والأنبياء معشر وكذا ما أشبهه.
*والشباب: جمع شاب وهو من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة.
←فائدة: قال الشيخ عبدالله بن جبرين -حفظه الله-: " فالنداء هنا للشباب، وخصهم لأنهم غالباً أقوى شهوة، ولأن غريزة الشهوة الجنسية فيهم تدفعهم إلى فعل الفاحشة أو إلى مقدماتها، ولأنهم أقل تجربة أو أقل معرفة أو أقل تأثراً، فلأجل ذلك يؤكد على الشباب يؤكد عليهم في الزواج المبكر ويرغبهم فيه "
- في قوله: (( مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ )) :
* الباءة: على أصح الأقول معناها الجِماع أو النكاح كلاهما صحيح، وهذا شرط بأداة الشرط (من)، وجوابه في قوله: (( فَلْيَتَزَوَّجْ ))
- في قوله: (( فَإِنَّهُ )) أي: الزواج (( أَغَضُّ لِلْبَصَرِ )) : أقوى وأشد سببا لغض البصر.
- في قوله: (( فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) :
* وجاء: ب**ر الواو والمد هو رض عروق الخصيتين حتى تنفضخا، فتذهب بذهابهما شهوة الجماع، وكذلك الصوم، فهو مُضعِف لشهوة الجماع، ومن هنا تكون بينهما المشابهة.
وهناك حديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (( خصاء أمتي الصيام ))
=======================
█وقفات مع الحديث:
1- هنا علق المحدث الألباني على الحديث السابق، بقوله: و في الحديث توجيه نبوي كريم لمعالجة الشبق و عرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون زواجا ، ألا و هو الصيام ، فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية ( الاستمناء باليد ) .
لأنه قاعدة من قيل لهم : ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير )، و لأن الاستمناء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن الكريم :
( و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) .
قالت عائشة رضي الله عنها في تفسيرها : " فمن ابتغى وراء ما زوجه الله ، أو ملكه فقد عدا " . أخرجه الحاكم ( 2 / 393 ) و صححه على شرط الشيخين ، و وافقه الذهبي.
[ السلسلة الصحيحة: 4/329 ]
2- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ )) : فلذلك كما نص على ذلك بعض العلماء بأني الصوم يضيق عليه العروق ولأن الطعام والشراب يوسع تلك العروق. والله أعلم
3- ومن عظيم ما يذكر هنا : صوم الأيام البيض وحكمة ذلك كما قال ذلك الشيخ ابن عثيمين : " الدم في الجسد يتبع القمر - سبحان الله - كل ما امتلأ القمر نوراً كثر الدم في جسد الإنسان وغزارة الدم ربما تؤدي إلى ضرر انفجار في العروق فإذا صام فالصوم يضعف البدن ومجاري الدم وتأثر الجو في الأرض بتأثر القمر معروف يعرفه أهل السواحل ، فالبحر يتوسع كل ما توسع ضوء القمر وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى "
[ من شرحه للكتاب الصوم من بلوغ المرام ]
والله وحده العليم الخبير